ليلة الصيام
ليلة الصيام |
هي: الفترة الزمنية المحدودة التي يباح فيها الطعام للصائم والشراب وسائر المفطرات من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني، وهي في مقابل النهار الذي هو وقت الصوم، كما أن الليل ليس محلا للصوم فيه، وقد فرض الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، وكانوا يصومون من بعد العشاء، أو النوم قبلها، فخفف الله تعالى عليهم فأباح لهم المفطرات في جميع ليلة الصيام إلى الفجر الثاني، ونزل قول الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ [البقرة:187] ...الآية إلى قوله تعالى: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة:187]. ويدخل وقت ليلة الصيام بغروب الشمس، وحينها يدخل أول وقت صلاة المغرب، ووقت إفطار الصائم، ويستحب فيها التسحر قريب الفجر الثاني، ويكون فيها تبيييت النية، وصلاة التراويح في شهر رمضان. فالليل والنهار فترتان متعاقبتان من الزمن، يدخل أول وقت أحدهما بانتهاء الآخر، وقدرهما: أربعة وعشرون ساعة فلكية موزعة عليهما بنظام دقيق على مدار السنة القمرية، ويمتاز النهار بالضياء، والليل بالإظلام، وقد بين الشرع الإسلامي أحكام ليلة الصيام، وحدد فترتها الزمنية، وما يتعلق بها من أحكام الإفطار والسحور والإمساك، والتوقيت المخصوص بذلك.
وينتهي وقت ليلة الصيام بانتهاء الليل وذهاب ظلامه، عند بداية ظهور أول بياض النهار من الفجر الصادق، وقد ذكر الله تعالى هذا بقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187]، والمعنى: أبيح لكم الأكل والشرب في جميع ليلة الصيام، إلى أن يظهر لكم بياض النهار وعبر عنه بـ«الخيط الأبيض»، وينشق هذا البياض وينفلق من سواد الليل، المعبر عنه بـ«الخيط الأسود»، والمقصود: بداية طلوع الفجر الصادق، عن سهل بن سعد قال: «نزلت هذه الآية: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة:187] فلم ينزل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له، فأنزل الله بعد ذلك: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187] فعلموا إنما يعني بذلك الليل والنهار».[47] ويدل على هذا حديث: "عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة:187] عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله ﷺ فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار»".[48] وفي هذا الحديث بيان المقصود، في رواية: قال له: «ألم أقل لك: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة:187]»، فالخيطان كناية عن سواد الليل وبياض النهار، فالبياض اليسير ينفلق من سواد الليل، قال تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام:96] أي شاق نوره من ظلمة الليل، وقال تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ [الحج:61] يدخل هذا في هذا ويخرج هذا من هذا، فالعرب يكنون بالخيط عما دق من الأشياء
قال الطبري: وهو المعروف في كلام العرب، قال أبو دواد الإيادي:
فلما أضاءت لنا سدفة ولاح من الصبح خيط أنارا
فعدي لا ينسب إليه التقصير؛ لأنه أخذ بحقيقة اللفظ والحقيقة أصل في الدلالة، كما أن المعنى المجازي للخيط قد لا يكون معروفا عند بعض العرب.[47]
والمقصود: أن وقت الإمساك هو: طلوع الفجر الثاني، وهو نفس وقت صلاة الفجر، والأذان إنما هو إعلام بالوقت، ويستحب تأخير السحور إلى قريب انفجار الفجر الثاني، والأفضل أن يفصل بين آخر وقت السحور وبين أول وقت صلاة الفجر بقدر خمسين آية متوسطة ويدل عليه ما رواه البخاري: «عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي ﷺ، ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية».[49] ويستمر وقت السحور إلى ما قبل طلوع الفجر الثاني، وينتهي وقته بطلوع الفجر الذي هو وقت الإمساك وأول وقت صلاة الصبح، وفي الحديث «عن عائشة رضي الله عنها أن بلالا كان يؤذن بليل فقال رسول الله ﷺ: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا».[50] "عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق»"، وفي رواية: «لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر وينفجر».[51] وعن بلال قال: «أتيت النبي ﷺ أوذنه بالصلاة وهو يريد الصوم، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرج إلى الصلاة