هو ما يشرع فعله من غير إلزام، أو هو: ما ليس بواجب، فهو بمعنى المستحب، سواء كان مقيدا أو مطلقا، ويسمى أيضا صوم النفل،
|
صوم التطوع |
ويشمل أنواعاً متعددة. والصوم الذي اقتضى الشرع فعله أو ما يطلب في الشرع فعله نوعان باعتبار أن ما اقتضى الشرع فعله إما على جهة الإلزام، وإما لا على جهة الإلزام، فما كان على جهة الإلزام أي: الفرضية وهو صوم شهر رمضان، وما كان لا على جهة الإلزام فهو صوم النفل أو التطوع، والنافلة غير الفريضة، ويسمى النفل تطوعا وهو فعل الطاعة التي ليست مفروضة، ويشرع النفل في الإسلام لتحصيل المزيد من الثواب، ورفعا للدرجات، وجبرا لما قد يحصل في الفريضة من خلل. وصوم النفل إما مطلق أو مقيد، فالمطلق هو الصوم في غير الأيام المنهي عن الصوم فيها، من غير تقييد بزمن، والنفل المقيد أفضل من النفل المطلق، والنفل المؤكد أفضل أنواع صوم النفل المقيد، وهو ما ثبت بالسنة المواظبة عليه والحث على فعله، وصوم النفل المقيد هو الذي ثبت بالسنة استحبابه مقيدا بزمن مخصوص، مثل: الإثنين والخميس من كل أسبوع، وثلاثة أيام من كل شهر، وأنواع صوم النفل المقيد كثيرة منها:
1. صوم شهر المحرم
شهر المحرم الحرام مستحب، وهو من أنواع صوم النفل، الذي ثبث في الحديث استحباب صيامه وبيان فضله، فعن أبي هريرة قال: "سئل رسول الله ﷺ، أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل» قيل: ثم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله الذي تدعونه المحرم»". رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وفي رواية: «عن أبي هريرة قال: "سئل رسول الله ﷺ: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل»، قال: فأي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: «شهر الله المحرم»". رواه الجماعة إلا البخاري ولابن ماجه منه فضل الصوم فقط
2. صوم يوم عاشوراء
صوم يوم عاشوراء هو يوم العاشر من المحرم، وهو من الصوم المشروع في الإسلام في مراحل التشريع، فقد كان الناس في الجاهلية يصومونه، ولما هاجر المسلمون إلى المدينة وجدوا اليهود أيضا يصومونه، وقد أمر المسلمون بصيامه، قبل أن يفرض عليهم صوم شهر رمضان، فلما فرض عليهم صوم شهر رمضان، لم يبق طلب الإتيان به شرعا كما كان في السابق، وهو بعد فرض صوم رمضان مستحب بإجماع أهل العلم. وفي الحديث: «عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال صام النبي ﷺ عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه». و«عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله ﷺ بصيامه حتى فرض رمضان، وقال رسول الله ﷺ: من شاء فليصمه ومن شاء أفطر».
عن معاوية قال: «سمعت رسول الله ﷺ يقول لهذا اليوم: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم ومن أحب منكم أن يفطر فليفطر». قال النووي: «هذا كله من كلام النبي ﷺ هكذا جاء مبينا في رواية النسائي». وعن معاوية بن أبي سفيان قال: "سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام، ومن شاء فليفطر»"، متفق عليه. و"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي ﷺ المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: «ما هذا؟» قالوا: يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، فقال ﷺ: «أنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه". متفق عليه. و"عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء، تعظمه اليهود، وتتخذه عيدا، فقال رسول الله ﷺ: «صوموه أنتم»". متفق عليه. و"عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما صام رسول الله ﷺ يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله: إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى..فقال: «إذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله ﷺ". رواه مسلم، وأبو داود. وفي لفظ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، يعني مع يوم عاشوراء". رواه أحمد ومسلم. وقد ذكر العلماء في صيامه ثلاث كيفيات أحدها: صوم يوم العاشر من المحرم فقط، وثانيها: صوم يوم التاسع والعاشر، وثالثها: صوم ثلاثة أيام: التاسع، والعاشر، والحادي عشر.
3. صوم ست من شوال
من أنواع صوم النفل صيام ستة أيام من شهر شوال، وشهر شوال هو الشهر العاشر في ترتيب شهور السنة الهلالية، ويقع بعد شهر رمضان، ويستحب صيام ستة أيام منه سواء كانت متوالية أو متفرقة، باستثناء أول يوم من شوال الذي هو يوم عيد الفطر، فلا يجوز الصيام فيه حيث أنه يحرم صيام يومي العيد الفطر والأضحى. ويدل على استحباب صيام الست من شوال: ما أخرجه مسلم في صحيحه: "عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر»".[133] وفي رواية: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر
4. صوم يوم عرفة لغير الحاج
يوم عرفة وهو أحد أيام العشر من ذي الحجة، وهو يوم التاسع من ذي الحجة، ويستحب صيامه لما ورد في الحديث: «صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها»، ولكن هذا الاستحباب لغير من كان حاجا، فلا يستحب له صيامه؛ لأنه يكون في حال اشتغاله بالوقوف بعرفة، حيث أن الصيام حينذ يضعفه عن الذكر والعبادة في ذلك اليوم، وقد ورد النهي عن صيامه بحديث: عن أبي هريرة قال: «نهى رسول الله ﷺ عن صوم يوم عرفة بعرفات». رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وابن ماجه. قال الترمذي، قد استحب أهل العلم، صيام يوم عرفة إلا بعرفة. وعن أم الفضل: «أنهم شكوا في صوم رسول الله ﷺ يوم عرفة، فأرسلت إليه بلبن، فشرب، وهو يخطب الناس بعرفة». متفق عليه. وفي سنن أبي داود عن عكرمة قال: «كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثنا أن رسول الله ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة». وظاهر حديث أبي هريرة هذا: أنه لا يجوز صومه بعرفات، والأصل في النهي أنه للتحريم، لكن حمله العلماء على الكراهة من غير تحريم، والأصل في صوم يوم عرفة أنه مستحب إلا للحاج حيث أن الصيام يضعفه عن اغتنام وقت الوقوف بعرفة، ويجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا. قال الخطابي: هذا نهي استحباب لا نهي إيجاب، فإنما نهى المحرم عن ذلك خوفا عليه أن يضعف عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام، فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفا فصوم ذلك اليوم أفضل له إن شاء الله وقد قال ﷺ: «صيام يوم عرفة يكفر سنتين سنة قبلها وسنة بعدها» ذكره في عون المعبود. وفي هذا دلالة على استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج، وأما صيام الحاج يوم عرفة ففيه خلاف، فقد روي عن عثمان بن أبي العاص وابن الزبير أنهما كانا يصومانه، وقال أحمد بن حنبل: إن قدر على أن يصوم صام، وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة، وكان إسحاق يستحب صومه للحاج، وكان عطاء يقول: أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان مالك وسفيان الثوري يختاران الإفطار للحاج وكذلك الشافعي. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «لم يصمه النبي ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا أصومه أنا». انتهى كلامه. وفي صحيح البخاري: «عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي ﷺ فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه».[135] وفي رواية للبخاري أيضا: «عن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شَكُّوا في صيام النبي ﷺ يوم عرفة فأرسلت إليه بِحِلَابٍ وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون».[136] قال الشوكاني: واعلم أن ظاهر حديث أبي قتادة عند مسلم وأصحاب السنن مرفوعا صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة الحديث أنه يستحب صوم يوم عرفة مطلقا، وظاهر حديث عقبة بن عامر عند أهل السنن غير ابن ماجه يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام الحديث أنه يكره صومه مطلقا لجعله قريبا في الذكر ليوم النحر وأيام التشريق، وتعليل ذلك أنها عيد وأنها أيام أكل وشرب. وسبب كراهية صيام يوم عرفة للحاج أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك وعن القيام بأعمال الحج. وقيل: بل لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده حديث أبي قتادة. وفي حديث أبي هريرة هذا التصرح بالنهي عن صومه مطلقا. ومما يدل على عدم استحباب صومه للحاج: ما أخرجه أبو داود في سننه «عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم رسول الله ﷺ فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشرب». قال المنذري: وأخرجه البخاري ومسلم
5. صوم الإثنين والخميس
من أنواع صوم النفل صوم يومي الإثنين والخميس، وهو الصوم المستحب في الأسبوع، وهو أن يتحرى مريد التطوع بالصوم الصيام في كل إثنين وخميس من الأسبوع، وفي الحديث: عن عائشة قالت: «إن النبي ﷺ كان يتحرى صيام الإثنين والخميس». وثبت في مشروعية استحباب صيامهما دليل الترغيب وهو أن يومي الإثنين والخميس تعرض فيهما الأعمال، ووجه ذلك: أن الصوم عمل فيستحب للمسلم الصوم فيهما ليعرض عمله وهو صائم، ويدل على هذا حديث: عن أبي هريرة: "أن النبي ﷺ قال: «تعرض الأعمال كل إثنين وخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»". كما ورد أيضا في صوم يوم الإثنين حديث: عن أبي قتادة: "أن النبي ﷺ سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: «ذلك يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه»". ولمسلم بلفظ: "عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين فقال: «فيه ولدت وفيه أنزل علي»". وفي هذا دليل استحباب صوم يومي الإثنين والخميس؛ لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، وقوله في الحديث: قال: «ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه»، ويوم الإثنين هو اليوم الذي كانت ولادته فيه، وهو أيضا اليوم الذي أنزل الله فيه عليه الوحي
6. صوم ثلاثة أيام من كل شهر
من الصوم المستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويدل عليه حديث: «عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام». قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على تأكيد هذه الأمور بالقصد إلى الوصية بها، وصيام ثلاثة أيام قد وردت علته في الحديث، وهو تحصيل أجر الشهر، باعتبار أن الحسنة بعشر أمثالها، وقد ذكرنا ما فيه، ورأى من يرى أن ذلك أجر بلا تضعيف، ليحصل الفرق بين صوم الشهر تقديرا، وبين صومه تحقيقا. وفي الحديث دليل على استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، واستحباب صلاة الضحى. وعن أبي ذر قال: «أمرنا رسول الله ﷺ أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
7. صوم يوم وفطر يوم
من أنواع صوم النفل صوم يوم وإفطار يوم، هو صوم نبي الله داود عليه السلام، وهو مستحب لمن يريد التطوع بالصوم في جميع أيام العام، باستثناء صوم شهر رمضان، والأيام المنهي عن صومها، وهذا النوع من الصوم لمن رغب في المزيد من التنفل بالصوم ووجد في نفسه قدرة عليه من غير تضييع الحقوق والواجبات، وأما الزيادة على هذا فهو منهي عنه. ويدل على هذا حديث: «عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: صم من الشهر ثلاثة أيام قال: أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: صم يوما وأفطر يوما، فقال: اقرء القرآن في كل شهر، قال إني أطيق أكثر فما زال حتى قال في ثلاث».وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو قال، "قال لي رسول الله ﷺ: «لقد أخبرت أنك تقوم الليل وتصوم النهار»، قال: قلت: يا رسول الله نعم، قال: «فصم، وافطر وصل ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام» قال: فشددت فشدد علي قال: فقلت، يا رسول الله إني أجده قوة قال: «فصم من كل جمعة ثلاثة أيام» قال: فشددت فشدد علي قال فقلت: يا رسول الله إني أجد قوة قال: «صم صوم نبي الله داود، ولا تزد عليه»، قلت: يا رسول الله وما كان صيام داود عليه الصلاة والسلام؟ قال: «كان يصوم يوما، ويفطر يوما»". و«عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما
مواضيع